ورد في بعض الأثر أنه كان لبعض المغفلين حمار فمرض الحمار، فنذر إن عوفي حماره صام عشرة أيام فعوفي الحمار فصام، فلما تمت مات الحمار فقال: يا رب تلهيت بي! ولكن رمضان إلى هنا يجيء والله لآخذن من نقاوته عشرة أيام لا أصومها.
ما يصيبني بحيرة هو أنه كلما تدارست هذه الـ سرق وأخواتها لا أروم على تصريفها وإعرابها جيدا!
فتارة يبدو لي أنه فعل ماضي مبني للمجهول والفاعل ضمير مستتر ممنوع من العرض!
وتارة يبدو لي أنه فعل مستمر والفاعل مرفوع الشأن في محل جر شعب غافل!
وأخرى يترآى لي بأنها أداة نصب تنهب المفعول به وتجره في آن معاً!
دفعتني هذه الحيرة من سرق وأخواتها: نهب ونصب وسلب..... أن أستعين بسيبويه العصر ونفطويه اللغة ذو اللسان الفصيح النحوي النحرير كليكرب؛ فدفعت بالتسليم أولا إذ لقيته فرد ثم أردف نبئني ما قصدك من هذه العمرة المفاجئة ؟
قلت: أنا يا شيخي الكريم قد وقعت في حيص بيص وصار أمري في شك ولبس من سرق وأخواتها اللاتي تعلم، ما وجدت لهن تصريفا ولا لإعرابهن سبيلا فأعني بعلمك الغزير ولسانك العربي المبين!
قال: اعلم هداك الله أن من الإعراب ما قد تغيرت قواعده الأولى وأسسه العظمى فانبنى الكلام على الشواهد الظاهرة والوقائع المعاصرة وهذا ما أشكل عليك فهمه وصعب عليك سبره فحيرتك المعاني وصعب عليك التفريق بين المعاجم والمباني.
قلت: أبن لا فض فوك ما التقط ما ترمي إليه.
قال: سرق وأخواتها ممنوعة مانعة من الصرف، بل معظمة الجانب وعالية الجناح لا يروم على جرها أياً كان ولا على نصبها أو جزمها إنسان، فقد رفع قدرها وحفظت منزلتها، وهي ألزمت فاعلها ما ألزمت به نفسها!
قلت: معاذ الله ما هذا علي بقديم ولم أعرفه إلا من فيك الآن، فهلا أطنبت في تفسر المعنى وفي إفهامي سلكت الحسنى.
قال: هيّنا طلبت، وفي الأمثلة ما يسهّل الشرح ويوجز جزيل الكلام، فخذ قول الشاعر:
إذا سرق الوزير وصاحباه **** وأفسد كل ما تــحوي يداه
وسلطان البلاد لهم شفيع **** يكافئهم على ما ينهبوه
فقل ظهر الفساد بملء فيك **** ونكّر ما تروم على بلاه
هنا جاءت سرق بعد إذا الشارطة ونعربها وما بعدها كالآتي:
سرق: فعل لا ينفك يأتي به الفاعل ويلازمه ممنوع مانع من الصرف.
الوزير : فاعل ممنوع من الصرف منعه دخول سرق عليه فمنع من الصرف أبد الآبدين وغصبا على العالمين.
وصاحباه: معطوفة بالواو على الوزير وهي وإن رفعناها بالألف كونها مثنى فهذا الرفع من جهة أنّنا عطفناها على من رفع شأنه وعظم قدره .
هكذا يكون إعرابها وتصريفها، هل فهمت؟
قلت: نعم إني أراني بدأت أفهم، وكيف نعرب "ينهبوه" الواردة في ذيل العجز من البيت الثاني إذا كان أصلها نهب؟
قال: نعم أصلها نهب وهي من أخوات سرق، وإعرابها يكون كالتالي:
الياء: للمضارعة والإستمرار الأبدي.
نهب: على ما تقدم من إعراب سرق.
الواو:تعود إلى الفاعل الوزير وصاحباه الممنوعون من الصرف من منازلهم ومناصبهم.
الهاء: مفعول به مسلوب. وهو ضمير عائد إلى ما حازه الوزراء وأصحابهم من أموال وأرزاق.
قلت: ما أغربه من مذهب في النحو وأسهله من مسلك في التوصيف والتصريف، هكذا أعرب الكلام وأنزل الأحداث معانيها الظاهرة وحقائقها الجلية. الآن عرفت لماذا منعت سرق وأخواتها ومن أتى بها من الصرف، فما عاد للحيرة مكان في عقلي ولا للشك منزلة بقلبي.
No comments:
Post a Comment