Sunday, December 4, 2011

الطاغية إما سابــق وإما لاحــق

روي أن رجلاً قدّم ابناً له إلى القاضي فقال: أصلح الله القاضي، إن هذا ابني يشرب الخمر ولا يصلي، فقال له القاضي: ما تقول يا غلام فيما حكاه أبوك عنك؟ قال: يقول غير الصحيح إني أصلي ولا أشر الخمر، فقال أبوه: أصلح الله القاضي أتكون
صلاة بلا قراءة؟ فقال القاضي: يا غلام تقرأ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم وأجيد القراءة، قال: اقرأ، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم: [مجزوء الكامل]
علق القلب ربابا  ----  بعدما شابت وشابا
إن دين الله حق -------- لا أرى فيه ارتيابا
فقال أبوه: والله أيها القاضي ما تعلم هاتين الآيتين إلا البارحة، لأنه سرق مصحفاً من بعض جيراننا. فقال القاضي: قبحكم الله، أحدكما يقرأ كتاب الله ولا يعمل به.


يظن بعض الطغاة العرب الباقون والذين ما زالوا لشعوبهم قامعون أنهم في منأى عن السقوط والرمي بهم في مزابل التأريخ، وما هذا إلا لسخافة عقولهم الطرية وغرورهم بما لديهم من أتباع وحمير واعتقادهم أن الغرب في جهتهم وسيحميهم وسيمنع شعوبهم من أن تثور ضدهم.
وهذا هو عين العمى عن الحقيقة والنأي إلى الوهم عن الواقع الذي أثبت للجميع أن الطغاة إما سابقون وإما لاحقون، ولا استثناء في ذلك أبدا، وحتى التأريخ لا يحكي غير هذا عن الطغاة.
ومن سخافة بعض هؤلاء الطغاة أنهم ما زالوا يرددون" بلدنا الفلاني غير" ، وهي عين المقولة التي رددها كل الساقطون بعد كبير السارقين وإمام الساقطين ابن علي زين الهاربين.
وما أن تدق الثورات أبواب قصور هؤلاء الحكام حتى يسارعوا للهرب والإختباء وبعض الإختباء أهون من بعض، فبعضهم حماه العسكر، وآخرون ذهبوا للإستنجاد بطغاة آخرين من نفس طينتهم منهم من مكث ومنهم من عاد، وبعضهم أخذ بالمقولة المعتادة " علي وعلى أعدائي" يريد بذلك تخريب وطنه أكثر مما خربه وحطمه من قبل، وهو يؤمن بحتمية سقوطه أكثر من أي أحد آخر. فمنهم من نفق علنا أمام الملأ وهو يتوسل للشعب الذي كان يسومه سؤ العذاب ولكن هيهات هيهات بعد الطالب والمطلوب.
وماذا عن أولئك الذين يقطّرون على شعوبهم جرعات الإصلاحات المزعومة خوفا من المصير ذاته، ولا يلتفتوا بسبب حماقتهم للحقيقة والتي هي أن زوالهم ونظامهم هو الإصلاح الذي تتطلع إليه الشعوب؟
هؤلاء هم الطغاة اللاحقون في سلسلة التساقط، وهؤلاء سيكون سقوطهم أشد من سقوط الذين قبلهم، فالشعوب تدرك أن الخداع ما هو إلا محاولة التفاف على مطالب الشعوب وهذا ما لا يطيقه أي شعب "الخداع والتسويف".
نيلسون مانديلا يقول: " الحرية لا تعطى على جرعات فالمرء إما أن يكون حرا أولا يكون".  فهل يا ترى هؤلاء الطغاة والخليجيون منهم خصوصا لا يدركون هذا؟
وهل يا ترى أولئك المزمرون واللاعقون للأحذية لا يدركون أنهم يلعقون الحذاء الخاطيء؟
العرب جميعا والعمانيون خصوصا أصبحوا يدركون وهم الذين كانت مطالبهم في أغلبها ماديّة أصبحوا يدركون أن تحقيق المطالب المادية لن يتأتّى بصورة مستمرة وواضحة إلا بتحقيق المطالب السياسية.
يعني لو أن حزمة القرارات القابوسية التي صدرت مؤخرا بداية من آذار صدرت الآن والشعب مثلا ما يزال في الشوارع والميادين معتصما ومتظاهرا، لما أقنعت تلك القرارات والحيل أفراد الشعب ولظل متظاهرا في الميادين حتى لو قمع وأرهب.
ورغم أن هذا الإيمان بأن لب المشكلة يتمثل في النظام السياسي كان موجود لدى الكثيرين الذي حذروا الشعب من السكوت والإنخداع بالقرارات السلطانية لكن هذه الفكرة الآن ترسخت وانتشرت بشكل أكبر بكثير جدا من قبل وهذا ما سيضمن لثورات أوانتفاضات المستقبل الإستمرارية.
ومما يغذي الإيمان بفكرة وجوب اقتلاع النظام السلطاني هو هذه التخبطات المستمرة والأخطاء الغبية الشديدة الحماقة؛ فلو كنت مكان هذا النظام محاصر بشعب ينتظر ويتطلع ومستعد للإنتفاض مجددا لفعلت كل ما بوسعي لتجنب أبسط خطأ يمكن أن يُحيي هذا الشعور، لكن يبدو أن النظام لدينـا في غاية الغبـاء والغرور لدرجة تجعل السلطان منشغلا بمشاريعه الثقافية والموسيقية المعادية لغالبية الشعب، ومشاريعه العسكرية النسائية والمظلية المعادية والمستفزة لأفراد الجيش.
ووسط كل هذا ما تزال العاصمة العمانية تعاني من سؤ التخطيط وتفتقر لأبسط مقومات إدارة البنى التحتية فضلا عن إدارة الكوارث أو التعامل معها، وهي التي تضم أفضل الخدمات والبنى الأساسية في السلطنة قاطبة؛ فما بالك ببقية المدن أو ما بالك بحال القرى والتجمعات السكانية النائية والبعيدة ن المدن، حيث لا يزال الكثير من العمانيين يعيشون في بيوت السعف أو خيام الوبر هذا إن لم يعيشوا في الكهوف والمغارات كما هو الحال في كثير من المناطق الجبلية، وما تزال المصائب والكوارث الإقتصادية والمالية تعصف بعموم الشعب العماني، الذي لا شغل له اليوم إلا التطلع لما يوقف هذا البؤس المعيشي الذي يحياه، أو يجد حماية لموارده وثرواته من أن تسرق من قبل بعض المتنفذين في قيادات الحكومة. وكل ما فعله النظام السلطاني منذ آذار وحتى اليوم كردة فعل للإحتجاجات والمظاهرات هو القمع والخداع والتسويف لا غير!


وتتجلى حقيقة الخداع التي يقوم بها النظام السلطاني بصورة واضحة مع الزمن ومع استمرار الأوضاع على ما هي عليه الآن، فالشعب ينظر إلى المحيط الخليجي الذي حقق له حكامه الكثير من مطالبه المعيشية والماديّة بصورة نوعية وكبيرة جدا فالحزم المالية والإقتصادية التي تصب في خدمة المواطن هناك كبيرة لدرجة تجعل الغالبية تصمت عن حقوقها السياسية لمدة طويلة، أمّا في عمان حيث لا حديث مؤخرا إلا عن التحسينات المعيشية الأخيرة في الجارة الإمارات والتي لا تجعل العماني إلا ناقما وساخطا على نظامه وسياسة حكومته الفاشلة؛ فما يزال الكثير ينتظر الوعود القابوسية والإصلاحات الإقتصادية المزعومة التي لم تأتي، وقد بلغت الحلقوم لدى الكثير الكثير ممن كان ساكتا وراضيا ومنتظراً.
وأقول للشعب إن الحكومة أيها الناس لن تكف عن الخداع والتحايل والتسويف وحتى لو قدمت لكم بعض التحسينات المعيشية فإنها تخدعكم وستسرق ما تعطيكم من حيث لا تعلمون، لذا لا حل حقيقي للمشكلة الإقتصادية في عمان إلا الحلّ السياسي وهو إما تغيير النظام السياسي القائم برضى من النظام الحالي وبطريقة سلمية، وإما بإسقاط النظام القائم وإقامة نظام سياسي سلميا أيضا.
الحلول في الفقرة الأخيرة ستكون موضوع التدوينة القادمة لأطمئن الشعب أن دعاة التغيير العمانيين لديهم نظرة سياسية ثاقبة لدعوتهم ونظريتهم التغييرية والإصلاحية غير منفصلة نظريا أو ليست بمعزل عن الربيع العربي.

No comments:

Post a Comment