Sunday, October 9, 2011

شذرات وعبرات في أربعينية المناضل العربي عبدالرحمن النعيمي


ترجل فارس عربي ثوري آخر من على ظهر الدنيا ورحل مخلفا إرثا كبيرا وذكرا كثيرا وحبا عظيما.
رحل سعيد سيف هو الآخر ملتحقا بعظماء كثر وضعوا أفكارا ودعموها بالعمل فصارت بنيانا ثقافيا رائعا على حيطانه خلاصة التجارب وأبوابه الإيمان نعم الإيمان بالمباديء والفكر وكل ما هو سام وعظيم من قبيل الحرية  والإنعتاق من التبعية.
عظماء اليسار العربي أو الجناح اليساري للقوميين العرب الذين وضعوا الأسس ثم رحلوا كثر لم يكن آخرهم عبدالرحمن النعيمي ولا أولهم الحكيم جورج حبش.
ما ميز عبدالرحمن أكثر من غيره من بين رفاقه  مرونته داخل نطاق الإنسانية والقومية وهو ما اشتهر عنه في الثلث الأخير من عمره عندما قاد البحرينيين إلى المصالحة والتآلف وردم الهوات وسحق النعرات والقبول  بالتنازلات الفردية والحزبية من أجل المصلحة الوطنية الكبرى يحسب هذا للنعيمي وكأنه لا يحسب لغيره إلا هو، وما ذلك إلا عن حقيقة إيمانه بوطنه وقوة إخلاصه للبحرين وطنا حرا متجانسا.
رحل النعيمي في أول أيام عيد الفطر فخيم على البحرين حزنا فوق حزن فالبحارنة أصلا محزونون لحال بلادهم التي خطفها الطغاة وانتقموا من أبناءها فقتل من قتل وعذب من عذب وسجن من سجن  فما كانوا ليفرحوا يومها  أصلا، ولقد زاد هذا الحزن موت رمزهم  وأحد رموزنا والعرب جميعا المناضل النعيمي فكأنهما حزنان استجمعهما البحرينيون لترسيخ الفكرة التي نشأت مؤخرا بينهم وهي إستنزاف الطغاة حتى النصر عليهم والإستنزاف هنا ولو كان بطيئا لكنه سينجح في النهاية.

عبدالرحمن لم تفقده البحرين فحسب بل فقدته عمان أيضا فهو أحد رموز الثورة العمانية ضد الإستعمار والنظام السلطاني البغيض مثله مثل كل عماني حر ناضل في سبيل عمان فقده العمانيون وفقده العرب جميعا . من من اللبنانين مثلا  سينسى تلك النخوة العربية والهمة الثورية التي وقفها عبدالرحمن عندما غزا الصهاينة لبنان 1982 فوجه عبدالرحمن كافة رفاقه وزملاءه للقتال بين اللبنانيين والفلسطينيين وغيرهم من العرب في لبنان ضد اليهود الصهاينة بدعوته الشهيرة: "أيها الرفيق التحق مع المقاتلين"؟
من من العرب سينسى ذلك الموقف العقلاني الحر المشرف لعبدالرحمن عندما رفض أي تدخل أجنبي في الجزيرة العربية في حرب الخليج بل وأدان كل من يسعى لجلب الأمريكان والغرب إلى المنطقة بما فيهم سوريا التي كان فيها منفيا  فكلفه الأمر السجن والتعذيب وتمت مساومته على التراجع عن دعوته وتوجهه قلم يعر حافظ الأسد وزمرته البعثية أذنا وصبر على أذاهم له؟


عبدالرحمن رجل مباديء ومواقف من الطراز العربي العتيق الأصيل الذي قل مثيله الآن، عبدالرحمن كان مؤمنا بقضية ما بقوة والمؤمنون بقوة دائما  وأبدا هم المنتصرون،  آمن عبدالرحمن بعروبة البحرين ووجوب تحريرها من المستعمر البريطاني والخضوع له وتحريرها من ربقة ظلم الملوك والأمراء، هكذا بدأ مسيرته النضالية والتي واجهت في طريقها الكثير من الطرف المعادي فنزح إلى ساحل عمان وظفار ولبنان وسوريا وعاد إلى البحرين وما فتر إيمانه بعروبة البحرين وعدالة قضية شعبه الأزلية في الحية والعدالة.
.
يلخص رفيق دربه عبدالنبي العكري جزء مهم من مسيرة حياة رفيقه فيقول:

"لم يكن عبدالرحمن النعيمي ذلك الصنف من قيادات المعارضة الذي يقبل أن يكون في الخلفية الآمنة، ويعطي التوجيهات من بعيد.
كان عبدالرحمن ذلك القيادي المناضل الذي يقود العمل وسط المخاطر. وهكذا فقد كان عبدالرحمن يقود العمل في البحرين بعد تخرجه في العام ,1966 لإعادة بناء تنظيم حركة القوميين العرب، وبعد اعتقاله في 1968 انتقل
إلى أبوظبي، ليقود من هناك المكتب السياسي للحركة الثورية لتحرير عُمان والخليج العربي، وهو الجناح اليساري لتنظيم حركة القوميين في الخليج العربي. وعمل في أبوظبي في إدارة الكهرباء والماء وهي ساحة خطرة في
ضوء ملفه الأمني الموجود لدى الاستخبارات البريطانية التي تقود الاستخبارات في مختلف دول الخليج في ظل تعاون استخبارات المنطقة، بحيث كان مرصوداً.
وإذا أضفنا إلى ذلك الانهيارات التي تحدث وتسلل عناصر استخبارات إلى صفوف التنظيم الجديد الذي لا يمتلك خبرات جيدة، واستخدام الإمارات كمعبر للمناضلين وتهريب الأسلحة إلى عُمان الداخل للإعداد لتفجير الكفاح
المسلح في عُمان الداخل والذي جرى في 12 يونيو/ حزيران 1970 والذي فشل فشلاً ذريعاً، لأدركنا حجم الخطر الذي يهدده. وهذا بالفعل ما حدث فقد جرى اعتقاله في أبوظبي في 10 أغسطس/ آب ,1969 وضبط في
شقته أسلحة وذخائر وحوكم وصدر الحكم عليه بتهمة الإعداد لتفجير المنصة في الاحتفال بتنصيب الشيخ زايد في 8 أغسطس/ آب ,1969 وصدر الحكم عليه بالسجن 10 سنوات، على رغم أن الاستخبارات تعرف جيداً أن
الإمارات لم تكن مستهدفة في عمل الحركة الثورية بل كانت معبراً لعُمان. وقد زار أبوه المرحوم محمد النعيمي الشيخ زايد في مجلسه، وانتخاه لإطلاق سراح ابنه، واستجاب الشيخ زايد بأريحيته، وأطلق سراحه بعد 8 أشهر في
السجن في أبريل/ نيسان 1970 ومرة أخرى لم يهرب من الساحة بل طلب الرجوع إلى البحرين، حيث ينتظره خطر جسيم، لكن سلطات الأمن بقيادة هندرسون رفض رجوعه، وهكذا انتقل قسرياً إلى بيروت، الساحة الوحيدة
حينها المفتوحة أمام المناضلين العرب."    
رحمك الله يا أبو أمل ، لن ننساك يا أبو أمل ، لقد علمتنا الكثير علمتنا كيف يقف العربي بجانب العربي علمتنا كيف يناضل المؤمن في سبيل قضيته إلى آخر رمق علمتنا أن الحياة عقيدة وكفاح  وأنا أكتب هذه السطور تحضرني
بعض اللمحات من مذكراتك التي كتبت ونضالك في عمان  فيأسرني شوق أبدي لك ولأفكارك وللبحرين قاطبة وأهلها الطيبيين
فتحية لك ولروحك الكريمة وتحية لزوجك الكريمة أم أمل التي شاركتك النضال وصبرت وعانت في ذلك لكنها تحملت وتقبلت كل ذلك فهي تعلم ما معنى النضال في سبيل حرية الأوطان .
 

No comments:

Post a Comment