Saturday, October 1, 2011

هدى سالم: إليك تشير البوصلة


 
مرّت علينا قبل أيام ذكرى عطرة جميلة، ولو أنها حزينة فهي تذكرنا بأن أحد رموزنا قد رحل عنا وتركنا مفجوعين بنبأ وفاته ورحيله.
في الحادي والعشرين من أيلول 2006م  في أحد المستشفيات بلندن فاضت روح الثارة المناضلة فريدة عصرها بنت الأغنياء التي عاشت فقيرة تكدح وتناضل في معمعة الحرب وسط الفقراء الثائرين. إنها البحرينية ليلى عبدالله فخرو.  وفي زحمة الأحداث العربية والبحرينية – العمانية، وفي ظل القمع الذي لاقته ثورتنا البحرينية المجيدة من مرتزقة آل خليفة وأزلام آل سعود، في ظل تعذيب الأحرار البحرينيين من أخوة وأخوات والزج بهم في السجون  وتعذيبهم وانتزاع مايشتهيه النظام منهم من أقوال ومسرحيات. في ظل صمت العالم عمّا يحدث هناك وتواطيء عربي واضح لصالح حكام النفط والزفت من آل خليفة وآل سعود الذين يعتبرون البحرين باحة منزلهم الخلفية، وفي ظل صمت إعلامي مدقع من قبل الإعلام العربي الذي دعم كافة الثورات العربية عدا الخليجية. في ظل كل هذا وزحمة الفكر تحل علينا ذكرى رحيل أستاذتنا المناضلة.  ذكرى رحيل "الثائرة المربية".


رحلت ليلى فخرو جسدا وروحا ولكنها لم ترحل عن البحرينيين والعمانيين وكل العرب مبادئا وأفكارا، ما نحن وكل ما نقوم به اليوم من ثورة واحتجاج شعبي أكان في البحرين أم في عمان إلا بسبب أفكارنا وما آمنا به مما تعلمناه من هذه المناضلة العظيمة ومن رفاقها والذين زرعوا فينا حب الوطن والعروبة، الذين علمونا معنى الحرية وكيفية تحقيقها سلميا وعسكريا، نعم هذا الذي نحن فيه الآن ما هو إلا نتاج أفكار هؤلاء الثوار العظماء من أمثالك يا ليلى.
رحلت يا ليلى وبقت الذكرى وإن تلاشت في قلوب أحدنا فإنها باقية في قلوب عشرات الآلاف من محبيك وتلامذتك والسائرين على نهجك، رحلت يا ليلى وبقت الأفكار والمباديء التي زرعتها فينا ترشدنا في سيرنا نحو الحرية والإصلاح نحو الوعي بالهوية والوطن والإنسانية.
كم نفتقد المؤمنين أمثالك، نعم المؤمنين بأفكارهم إيمانا يقودهم بقوته لتحقيقها بشتى الوسائل الشرعية ومستعدين للموت في سبيل تحقيقها نعم نفتقدهم ونفتقدك في طليعتهم يا ليلى.
لقد احترمك الجميع يا ليلى إسلاميين وقوميين يساريين وليبراليين، لقد احترمك وأجلّك كل من آمن بالوطن من هؤلاء رغم اختلاف مشاربهم، وهكذا هم العظماء ينتزعون الإعجاب والإحترام لأنهم أهل مباديء سامية كما كنت يا ليلى.
وكل هذا الذي قلت أنا وما قاله الشباب غيري لاشيء مقابل شهادات رفاقك من العظماء الآخرون في حقك، ها هو الرمز الوطني والخليجي الكبير عبدالرحمن النعيمي والذي رحل مؤخراَ هو الآخر يقول: " هدى سالم .. تلك المتمردة .. من أجل الوطن والعدالة" ويقول : " وجدت ليلى فخرو التي استبدلت اسمها بهدى سالم طريقها إلى عدن من بيروت، حيث قررت مغادرة عالمها المخملي إلى عالم الثورة والتغيير، فقد أسرتها مبادئ العدالة والمساواة، وقررت النضال ضد الظلم والقهر الطبقي والوجود الاستعماري، وقررت ان تحمل السلاح، لتحارب مع رفاق لها هناك في أقصى الجزيرة العربية، وكانت ظفار مركز الصراع من أجل المستقبل".
ويصفها قائلا: " كانت نموذجاً في الانضباط في المسلكيات الثورية، في العلاقات الرفاقية، في الموقف السياسي، في التواضع، في احترام الآخرين وحب الناس البسطاء، في البساطة والزهد في الحياة اليومية سواء في الملبس أو المأكل.. لم تكن راحتها تعني شيئاً بالنسبة لها.. كانت في مستشفى الجمهورية في الصباح.. وفي المساء مع المناضلين والمناضلات في معسكر (جمال) في خورمكسر"
ويضيف متحدثا عن المربية الثورية:" كان لهدى سالم الفضل في كونها أول مديرة لأول مدرسة ابتدائية تقيمها الثورة العمانية.. أول امرأة من البحرين تلتصق بتلك الجماهير التي قررت حمل السلاح لمواجهة العدو الداخلي والاجنبي.. كان عليها ان تعيش في منطقة متخلفة للغاية، وأن تضع البرامج الدراسية.. لكافة الفصول وفي كل المواد.. وكان العبء كبيراً للغاية.. لكنها قررت مواجهة التحدي للبرهنة بان الحركة الثورية في منطقة الخليج متلاحمة مع بعضها البعض، وانها لا تتردد في ارسال كوادرها إلى حيث الحاجة اليهم.. وقررت مواجهة التحدي للبرهنة بأن المرأة الملتزمة بقضايا الوطن والشعب قادرة على العمل في أقسى الظروف وفي مناطق لا يمكن لأي ثوري من مناطق الخليج ان يتصور قساوتها، سواء من حيث انعدام الكادر والبرامج الدراسية او من حيث الواقع الاجتماعي او من حيث الواقع الصحي والمعيشي.. ولكنها الارادة الانسانية القادرة على مواجهة كل الظروف الصعبة والتغلب عليها اذا كان الامر متعلقاً بذلك الفرد.  جيل كامل من ظفار الثورة تعرف على هدى سالم.. كانت أكثر من مديرة.. كانت رفيقة ومناضلة حقيقية.. كانت أماً لأولئك الاطفال.. كانت مربية حقيقية".
وهذه شهادة فيها من المهندس المناضل عبدالنبي العكري: " عرفتها في بيروت اثناء مرحلة الدراسة الجامعية والعمل الطلابي والوطني، كتومة، فاعلة ومتواضعة وصريحة في نقدها وحنونة تجاه رفاقها.
عرفتها في ظروف العمل السري في البحرين كتومه اكثر ونشطة ومثابره، كانت تحمل في روحها روح التمرد ولكن التمرد البناء، ونشطت في مجال العمل الحزبي والنسائي.
وعندما طلب منها ان تذهب لمهمة اخطر، ألا وهي الذهاب الى ظفار، فلم تترد وتركت وراءها حياة الدعة الى حياة المخاطر. وهكذا انتقلت الى ظفار حيث كانت الحرب على أشدها والمخاطر محدقة في كل زاوية وفي كل دقيقة".
ويقول: "يا لها من امرأة رائعة وقوية وشجاعة تحملت مسؤولية بثقل الجبال ولم تتذمر ولم تشكُ".
ويضيف: " لذا ليس غريبا ان يكرمها طلبتها السابقين في سلطنة عمان بعد عودتها الى البحرين من المنفى، ويواظب بعضهم على زيارتها والسؤال عنها تكرارا".
تلك ليلى في عيون رفيقيها وهي كذلك أيضا عظيمة سامية في عيوننا نحن تلامذتها ومحبيها بحرينيين وعمانيين وعرب.
وهذا كان آخر ما كتبت مخاطبة الجميع قبل وفاتها:" أبو أمل.. أبومنصور.. راشد.. فهد.. جهاد.. المحمدان.. سلطان.. حميدان.. صالحة.. سبيكة.. فوزية
عينة تحضرني لقائمة لا استطيع أن أصل لنهايتها.. فالعذر من الآخرين.. كم هي جميلة ذاكرتنا التي لا يعرف نكهتها إلا من عاشها.. يغسل مرها الحلو منها.. وتنسينا انتصاراتنا هزائمها.. لكل منا طعمه الخاص المتميز لدينا دون سوانا.. هدى بنت الأغنياء.. ماما هدى.. جيل آخر.. مقاطع من عناوين مقالاتكم.. لا تخافوا لقد استمتعت بقراءتها جميعاً، قرأتها في أجواء تصدح فيها أنغام سيمفونية لم أحلم بها.. وهي الأخرى لكل منها نكهته الخاصة التي تمتعنا دون سوانا.. كم كنت أرغب ان أكون قلماً من بين أقلامها.. لكن عذراً.. لقد خذلتني رئتاي حلفاء الطريق..
".
وتختم ناصحة وموجهة كما تعودت دوما: "  رددوا معي في صمت أسمعه.. الوطن حب متناه.. وحب الوطن دين فرض لا يقبل المساومة أو التأجيل.. وهذا الدين طريقه طويلة ومتواصلة تتوارثها الأجيال.. وتلك الأجيال القادمة لا محال لا تقبل اليأس.. واليأس فيروس قاتل لا ينبغي أن يتسلل إلى قلوبنا.. وقلوبنا واسعة مفتوحة لحب متدفق للوطن.. وأعطوا حق الاعتذار لكل من أخطأ بحقكم واقبلوا اعتذاره.. لا تغفروا لمن أخطأ في حق الوطن.. فليس من حقكم أن تغفروا له.. أشكركم وكم كنت أتوق إلى إنشاد هذه الورقة الأخيرة معكم لكن.. ليس باليد حيلة.. فقد خذلتني رئتاي.. لكن حب الوطن أقوى".

ليلى فخرو أو هدى سالم –باسمك الحركي- تحية عظيمة لك ولرفاقك الأحياء والأموات من جبال ظفار الشماء تحية بعبق اللبان وشذى العلعلان من حجر عمان، وتحية للبحرين وأهلها الذين وقفوا وناضلوا مع أحرار عمان ضد الإستعمار والإمبريالية الغربية، وتحية لمن استشهد منهم في جبال ظفار أو في إزكي أو ساحل عمان، تحية لكم أيها البحرينيون، يا من برهنتم لنا وللعالم أجمع في كل المناسبات والأحداث أنكم منبع الريادة في الفكر والثقافة والوعي في الخليج العربي،  ونقول لكم نحن معكم في نضالكم وثورتكم ضد طغيان الملوك من آل خليفة وآل سعود وجبروتهم بمرتزقتهم ودباباتهم.

ليلى فخرو في عتبات الزمن:
ـ ولدت في المحرق ودرست التحضيري في مدرسة خديجة الكبرى، وانتقلت مع العائلة العام 1954 إلى القضيبية في العاصمة المنامة لتواصل دراستها حتى الرابع ثانوي (آنذاك).
ـ انتقلت إلى مصر وحصلت على التوجيهي.
ـ منتصف الستينات درست في كلية بيروت للبنات والتحقت بحركة القوميين العرب.
ـ 1969 قطعت دراستها الجامعية وانتقلت إلى ظفار، الاقليم الجنوبي لعمان وأصبحت مسؤولة مدرسة 9 يونيو (مدارس الثورة).
ـ 1972 عملت في مكتب الجبهة في مجال العمل النسائي والعلاقات الخارجية بعدن.
ـ انتقلت في منتصف السبعينيات إلى بغداد مواصلة العمل الوطني.
ـ 1979 انتقلت إلى بيروت مرة أخرى حتى الغزو الصهيوني للبنان عام ,1982 وغادرت بيروت بعد اجبار قوات منظمة التحرير الفلسطينية على مغادرة الأراضي اللبنانية.
ـ 1983 انتقلت مع ابنتيها التوأم منيرة وعائشة إلى نيقوسيا عاصمة قبرص.
ـ 1995 عادت إلى البحرين واستقرت.
ـ 2004 أصبحت رئيسة جمعية سيدات الأعمال.
ـ 21 سبتمبر/ أيلول 2006 اسلمت روحها إلى الباري في أحد مستشفيات لندن بعد صراع مرير مع المرض دام سنوات طويلة.




التفاصيل المكانية والزمانية من صحيفة الوقت البحرينية.

1 comment:

  1. سأكتب قريبا عن المناضل عبدالرحمن النعيمي كذكرى رحيله في أربعينيته
    سأحاول أن أنزل المقال يوم 10 أكتوبر

    ReplyDelete