Wednesday, October 19, 2011

فألقت عصاها واستقر بهـا النـوى

قيل لأشعب: أنت شيخ كبير، فهل رويت شيئاً من الحديث ؟ قال: بلى! حدثني عكرمة عن ابن عباس، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، أنه قال: خصلتان من حافظ عليهما دخل الجنة.  ثم سكت فقيل: وما هما ؟ قال: نسيت أنا واحدة، ونسى عكرمه الأخرى.
ما أكثر ما قيل وما كتب هنا وهناك تارة مع،  وأخرى ضد،  وبعدها مع الضد وضد المع وأحيانا قليلة في الحياد.
ما أكثر ما كتب من سب وشتم وقذف وهتك للأعراض كتابيا وفكريا – وبالمناسبة كان يتوقع صدور فتوى من الأزهر تجيز هتك العرض تحت إكراه الشيطان وذلك قبل سقوط نظام فرعون الصغير-  وكان هذا سيكون نوع من صون العرض الإفتراضي -.
 ما أكثر ما كشف من عورات رقيقة ومغلظة لأجهزة الدولة وأعيانها - لا تسألوني عن الجنس -  وما أكثر ما مُسح بالجرائد المحلية والتلفزيون الملوّن الأرض حتى أنها أي الأرض الممسوحة وفي رواية المسحول فيها، قد صقلت تماما من كثرة  هذا المسح أو السحل، وما أكثر ما تأفف هؤلاء الكتاب وقراءهم من الوضع العربي ومن الحكومات العربية والحكّام العرب وانتخابات 99.99% والتدخل الإيراني والأمريكي وجرائم إسرائيل بل  إن البعض وعندما بدأت عضلاته بالبروز بدأ يتحدث عن الإنحباس الحراري والتلوث البيئي ومشاكل الطاقة والحيوانات المهددة بالإنقراض من الباندا حتى أبو بريص، وكل شيء.
 كل شيء لم يسلم من هذه الألسنة  الحداد وكتابات كثرة الأدب التي لم تكدرها كل دلاء هذه الهجمات فتارة تشتد جذوتها وتارة تخبو نارها حسب الظروف الغذائية للحرية والثقافة في بلدنا  وضمير عملاء الأمن الذين استغفر الله إلا من عداوتهم.
معاذ الله أني بهذا الكلام المشبوه  أعلن التوبة عن مناصرة الحق – قيل لأعرابي أيسرك أن تدخل الجنة ولا تسيء إلى من أساء إليك قال لا، بل يسرني أن أدرك الثأر وأدخل مع فرعون النار-  وكما قد يفهمني أحدكم مما قلت ولكني أريد بهذا شيء آخر أنا شارحه لكم الآن.
نحن العمانيون تصدق علينا وكأي شعب آخر أوصاف كثيرة ولكننا حتما وخصوصا كوننا عربا مررنا مؤخرا بظروف ما، نستطيع تقليل هذه الأوصاف إلى عدد أقل باختزال الصغرى في الكبرى أعني بأن الأوصاف السمان عدديا ستقضي على الهزال عدديا.
وقبل الغوص رأسا في تلابيب الموضوع أريد أن أؤكد أن هذا ليس جلدا للذات، بل هو تقريع للضمير ليصحو، وللإنتباه للحال العسير والتنبه للشر المستطير.



مثال: هذان الوصفان التاليان أحدهما سيمحو الآخر بلا أية مقاومة تذكر من الوصف الآخر: فلو قلت العمانيون شجعان وقلت العمانيون جبناء.
 هذا وصفان متناقضان قطبيا وجمعهما بوجود أغلبية عددية كبيرة لأحدهما سيبعث بالآخر إلى قعر الجحيم والذي هو كما أعلم –افتراضا-أنا الغبي-يقينا- وأنتم الأغبياء-افتراضا- أن وصف الجبن هو الذي سيطغى على الشجاعة عدديا  وبالتالي سنخرج من هذا أن العمانيين جبناء! طبعا هذا مثال افتراضي وأنا أفضل بأن احتفظ بالنتيجة لنفسي.
وكذلك هناك أوصاف تأكل أوصاف أخرى في نفس اتجاهها القطبي والآكل هو الأسمن طبعا أو الأكثر تمثيلا عدديا والمأكول هن العجاف أقصد الهزيل عدديا رغم أن النتيجة تمثل الطرفين كون عنصريها من نفس الإتجاه!
وكمثال: لو قلت أن العمانيين أغبياء وأن العمانيين مع ذلك حمقى وأردت جمع الوصفين بسبب تجاورهما الإصطلاحي فبرأيكم أي الإصطلاحين سيتغذى بالآخر ليخرج عدديا أكبر؟ أترك لخيالكم غير الخصب وربما الغاضب قليلا توقع الإجابة رغم أني شخصيا  لم أستطع تخيل الإجابة لسبب بسيط هو أنني مثلكم ....... .
أين اتجه بكم أيها العميان الذين تقرأوون هذا؟
أتجه بكم – وهذه المرة الأولى التي أخبر فيها بما سيكون في تاريخي الكتابي إلى : التقييم الإستقطابي لسيكولوجيا الذات العمانية.
أعلم أنكم تلعنون الوقت الذي مكثتم تقرأون فيه هذا كله لحد "العمانية" وأعلم أنكم تلعنوني لعنا قبيحا وتشتموني في ضمائركم شتما شنيعا وتفكرون في الإنسحاب من إكمال القراءة ولكن إن كنتم بلغتم "بلغتم" هذه فلن تتوقفون.
 أحب إغاضة قرائي لا لشيء سوى لذات المتعة الشيطانية التي تعتري السفسطائيين عندما يناظرون الفلاسفة-  أنتم غاضبون أليس كذلك من هذه السفسطة الرخيصة ؟ لا بأس أنا ما أعودها مرة ثانية إلا على الحمقى.
المشروع:  " وألقت عصاها واستقر بها النوى" الذي أدعو إليه  هو أن نخرج بأقصى قدر من الفائدة من تجربتنا الأخيرة، بعد تقييم هذه التجربة وقبلها تقييم ذواتنا ونفوسنا على إنفراد، وفي النهاية بوصف عام لتوجه العمانيين من بين كل ما يخطر على البال في الفترة الحالية: "مهزومين" " منصورين"   "أنبياء" "زنادقة" "حلويييين"  "ملائكة" " آلهة" " أغبياء" "م......"  الخ . الحرية مفتوحة لما قبل السماء فقط.         
ولماذا وكيف هذا أيها الأحمق ؟
لكي نقيّم أنفسنا من خلال أنفسنا وبالتالي نرى الوضع بعيدا عن التشابكات والتداخلات والإختلافات والتناقضات و........  
لماذا، مرة أخرى؟
لأن علينا الإعتراف جميعا سادة أحرار أرادوا التغيير وعبيدا للسلطان وقفوا ضد التغيير علينا الإعتراف جميعا أن حراكنا السلمي والإصلاحي قد وئد.
وهذا المشروع يمكن أن يكون فرديا يعني الشخص يقيم نفسه ومن حوله  كل يوم وكل حين وكل مرة حسب مزاجه ووضعه وفلوسه وتقدير مديره وخلق زوجته وخلاعة زميلته في العمل وسفولية ابنه المراهق و مهنية طبيبه النفسي- إذا كان هناك معيار لا ينطبق عليك فليس بالضرورة أن تكون مدنيا مسقطيا- ....الخ يقيّم الوضع على أساس اعتقاده الشخصي ويخرج بنتيجة يومية أو اسبوعية أو شهرية ثم يخرج بالوصف السائد أو الأوصاف السائدة على العمانيين والتي تسببت أو أودت بهم إلى هذا الحال وبمسيرهم من الإصلاح إلى التخبط.
والحال قد ينسحب أيضا على المجموعات وهنا النتيجة تكون أكثر قربا إلى الحقيقة وكلما كبر العدد وصلنا إلى النتيجة النهائية المخيفة!!! – ولا أعتقد شخصيا أنها مخيفة جدا لأنني بدأت بالتأقلم مع كوني من ضمن من ينطبق عليهم ذلك الوصف-.

وفي النهاية خبرنا ماذا تريد أن تقول؟
ما أريد أن أقول أننا لو جئنا إلى هذا التقييم لوجدنا أننا نحن العمانيون يجب أن نبدأ بأنفسنا ذواتنا عقولنا أفكارنا ننقدها ونعيد بناءها وصدقوني نفوسنا وذواتنا مهدمة ووعينا السياسي والثقافي والقومي والأممي الإنساني مهشم وفي حالة يبكي عليها العدو – شخصيا كل ما وضعت حصاة في بناء ذاتي سقطت حصاتان ومن نفس الإتجاه !!
فلنلتفت إلى ذواتنا نبنيها ونهذبها ونثقفها بوعي سياسي ناضج مستلهمين تجارب إخوتنا العرب الذين نجحوا في ثوراتهم أو أولئك الذين هم في الطريق إلى النجاح.
وبعدها إذا ما استطعنا فعل  ذلك – وأتمنى أن لا يحدث  فشل جماعي شامل - سنتبين موقعنا جيدا أيها الإخوان وسترون كم إننا لأنفسنا ظالمون في ظل هذا القمع الثقافي  والسياسي والسيكولوجي الذي تمارسه علينا السلطة ونمارسه نحن على أنفسنا وعلى من حولنا.
وبعدها نتجه إلى عائلاتنا وأسرنا ومنها إلى قبائلنا وأصدقائنا الفيسبوكيين والتويتريين المغردين ومجتمعاتنا الصغيرة ومدننا وهكذا تتسع دائرة التقويم ما بعد التقييم حتى تطال أبو بريص ذاته.
وبقول صريح وبلسان صادق، وبعد أن دارت الرؤوس تبحث عن الحل الميؤوس للتعامل مع هذا الكاتب المهووس لكل ما يعادي قابوس، بشكل صريح وربما ثاني مرة أصارحكم بشيء، علينا أن نعي جيدا أننا فشلنا ونجح الآخرون، أننا خدعنا ولم يخدع الآخرون، أننا نكصنا على أعقابنا، بينما رقص أشقاؤنا على صدور الطغاة الملاعين معلنين انتصارهم الساحق وبداية مجد جديد وعهد شعبي قويم.
كنا أيها الناس نخدع أنفسنا منذ البداية بالسلطان ابن السلطان ابن السلاطين رب عمان العظيم.
خدعنا أنفسنا، الأب يخدع ابنه كل صباح: " الله يخلي السلطان"، والأم تغرد مع جاراتها كل مساء " الله يخلي ابن سعيد "، والإبن كل يوم ذي مدرسة: " ابشري قابوس جاء" والبنت كذلك : " فلتباركه السماء" . العالم : " قابوس أعلى شأن البلاد ونشر العدل والأمان"، والقاضي يشرك بالله في كل حكم : " بسم الله وبسم جلالة السلطان" والمعلم يلقي على الصبيان: " أيها الغلمان قابوس سلطان عمان تاج على رؤوسنا إلى آخر الزمان"، وفي وسط هذا الشذوذ الفكري والإنبطاح الثقافي غاب حضور الوطن المسمى عمان.
فهذه القدسية السلطانية والكفر بالحقيقة التي عاشها العمانيون ويعيشونها هو الذي هزمهم ويهزمهم كلما أرادوا للأمام أن يتقدموا فإذا بهم للوراء يتقهقروا، ثم الشك بالحقيقة والتخبط بين مرثيات المجد العماني الضائع أورد انتفاضة الشباب التهلكة، وآل بهم إلى الفرقة والتفرقة، فمنذ البداية كان الموقف مترددا خفي الملامح فبين قائل صريح لم يُصدّق: "أيها الشباب الثائرون والركب السائرون وبدوار الإصلاح محيطون إن السلطان هو من نصب الوزراء الساقطون ويرأس الوزراء اللاحقون هو رئيس الحكومة والمسؤول عن كل كبيرة وصغيرة فالذنب على الرئيس وليس المرؤوس، فليباردر بتعديل السيرة وتغيير المسيرة وإصلاح الدرب قبل استفحال الخطب، وبين قائل مدسوس وخطيب مغشوش: " لا أيها الناس إن السلطان يحب الشعب، والشعب يحب السلطان، السلطان يريد الخير والخير آت من قبل السلطان، السلطان لا يعلم بفساد الأتباع، والأتباع سيقالون بالمرسوم المشاع من قبل السلطان، السلطان مع الشعب ضد وزراءه والشعب مع السلطان ضد وزراءه" ، وهكذا خدع المترددون المقدسون للسلطان وأسكتوا ببعض الوظائف وفرقوا ببعض الأموال فانفض الجمع وآل الأمر إلى الفرقة  والهوان!
 ومن لا يزال مترددا وبهذا الكلام مشككا وللسلطان متوليا وبصلاحه مؤمنا، ولإصلاحه منتظرا، لمن صيّر كلامه قرآنا وأوامره إنجيلا ومراسيمه صحفا وزبورا، أقول إنك كافر بالشمس واسطة النهار، ومنكر لليل والناس نيام.
فلا أملك من فنون الخطاب ومن جوامع الكلام إلا أن أقول: أولم تكونوا تنتظروا الخير والإصلاح وأوامر سلطانكم بالسعد والرباح؛ فإذا به يسن قوانين القمع ويزج بالناس في السجون  ويصادر حريات النشر والصحافة، وقوانين تكرس الخنوع والطاعة، وتصادر الحرية وتحيي التبعية، أفبعد هذا الحديث تمارون وهذا الكلام تنكرون والسلطان توالون؟!
ما أراكم إلا في الريبة هائمون، وفي حديثكم تخرصون، فامكثوا على ما أنتم عليه بل واسرحوا مع البهائم والأنعام في البراري والقفار فما أنتم وهي إلا سواء بل فاقتكم بمراحل في الذكاء.
خلاصة الكلام:
أنصاف الثورات سترتد نكالا على الشعب، وستكون وبالا عليه، وسيسحق المثور عليه الثائرين، أما الثورات الكاملة فهي التي تضع مقاليد الأمور جميعها في أيد الثائرين، إنها تتبع علم الثورات وقوانينها الذي لا دخل للطغاة في كتابتها ورسمها، فقرروا أيها العمانيون هل ما زلتم تريدون نصف ثورة، أم إنكم ستراجعون نفوسكم وتكملوا النصف الآخر؟
وقد قالها  عبد الملك بن مروان يوما: أنصفونا يا معشر الرعية، تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر، ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم بسيرة رعية أبي بكرٍ وعمر!، فنسأل الله أن يعين كلاً على كل.
فلو وجد عبدالملك من يثور عليه ويقوّم اعوجاجه لما قال هذا، لكن لم يجد فصدق بما قال، إنهم الرعية المتسببون في خراب بيوتهم إذ سكتوا على ظلمه وظلم حجّاجه اللعين.
خارج النص:
ويروى أن هذا الأموي كان الذباب يحوم حول فيه مثل أسراب طائرات إسرائيل في يوم الغفران وهي تحوم حول خط بارليف لا تلوي على شيء بسبب بطاريات الصواريخ السوفيتية.

No comments:

Post a Comment