Wednesday, October 19, 2011

فألقت عصاها واستقر بهـا النـوى

قيل لأشعب: أنت شيخ كبير، فهل رويت شيئاً من الحديث ؟ قال: بلى! حدثني عكرمة عن ابن عباس، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، أنه قال: خصلتان من حافظ عليهما دخل الجنة.  ثم سكت فقيل: وما هما ؟ قال: نسيت أنا واحدة، ونسى عكرمه الأخرى.
ما أكثر ما قيل وما كتب هنا وهناك تارة مع،  وأخرى ضد،  وبعدها مع الضد وضد المع وأحيانا قليلة في الحياد.
ما أكثر ما كتب من سب وشتم وقذف وهتك للأعراض كتابيا وفكريا – وبالمناسبة كان يتوقع صدور فتوى من الأزهر تجيز هتك العرض تحت إكراه الشيطان وذلك قبل سقوط نظام فرعون الصغير-  وكان هذا سيكون نوع من صون العرض الإفتراضي -.
 ما أكثر ما كشف من عورات رقيقة ومغلظة لأجهزة الدولة وأعيانها - لا تسألوني عن الجنس -  وما أكثر ما مُسح بالجرائد المحلية والتلفزيون الملوّن الأرض حتى أنها أي الأرض الممسوحة وفي رواية المسحول فيها، قد صقلت تماما من كثرة  هذا المسح أو السحل، وما أكثر ما تأفف هؤلاء الكتاب وقراءهم من الوضع العربي ومن الحكومات العربية والحكّام العرب وانتخابات 99.99% والتدخل الإيراني والأمريكي وجرائم إسرائيل بل  إن البعض وعندما بدأت عضلاته بالبروز بدأ يتحدث عن الإنحباس الحراري والتلوث البيئي ومشاكل الطاقة والحيوانات المهددة بالإنقراض من الباندا حتى أبو بريص، وكل شيء.
 كل شيء لم يسلم من هذه الألسنة  الحداد وكتابات كثرة الأدب التي لم تكدرها كل دلاء هذه الهجمات فتارة تشتد جذوتها وتارة تخبو نارها حسب الظروف الغذائية للحرية والثقافة في بلدنا  وضمير عملاء الأمن الذين استغفر الله إلا من عداوتهم.
معاذ الله أني بهذا الكلام المشبوه  أعلن التوبة عن مناصرة الحق – قيل لأعرابي أيسرك أن تدخل الجنة ولا تسيء إلى من أساء إليك قال لا، بل يسرني أن أدرك الثأر وأدخل مع فرعون النار-  وكما قد يفهمني أحدكم مما قلت ولكني أريد بهذا شيء آخر أنا شارحه لكم الآن.
نحن العمانيون تصدق علينا وكأي شعب آخر أوصاف كثيرة ولكننا حتما وخصوصا كوننا عربا مررنا مؤخرا بظروف ما، نستطيع تقليل هذه الأوصاف إلى عدد أقل باختزال الصغرى في الكبرى أعني بأن الأوصاف السمان عدديا ستقضي على الهزال عدديا.
وقبل الغوص رأسا في تلابيب الموضوع أريد أن أؤكد أن هذا ليس جلدا للذات، بل هو تقريع للضمير ليصحو، وللإنتباه للحال العسير والتنبه للشر المستطير.



مثال: هذان الوصفان التاليان أحدهما سيمحو الآخر بلا أية مقاومة تذكر من الوصف الآخر: فلو قلت العمانيون شجعان وقلت العمانيون جبناء.
 هذا وصفان متناقضان قطبيا وجمعهما بوجود أغلبية عددية كبيرة لأحدهما سيبعث بالآخر إلى قعر الجحيم والذي هو كما أعلم –افتراضا-أنا الغبي-يقينا- وأنتم الأغبياء-افتراضا- أن وصف الجبن هو الذي سيطغى على الشجاعة عدديا  وبالتالي سنخرج من هذا أن العمانيين جبناء! طبعا هذا مثال افتراضي وأنا أفضل بأن احتفظ بالنتيجة لنفسي.
وكذلك هناك أوصاف تأكل أوصاف أخرى في نفس اتجاهها القطبي والآكل هو الأسمن طبعا أو الأكثر تمثيلا عدديا والمأكول هن العجاف أقصد الهزيل عدديا رغم أن النتيجة تمثل الطرفين كون عنصريها من نفس الإتجاه!
وكمثال: لو قلت أن العمانيين أغبياء وأن العمانيين مع ذلك حمقى وأردت جمع الوصفين بسبب تجاورهما الإصطلاحي فبرأيكم أي الإصطلاحين سيتغذى بالآخر ليخرج عدديا أكبر؟ أترك لخيالكم غير الخصب وربما الغاضب قليلا توقع الإجابة رغم أني شخصيا  لم أستطع تخيل الإجابة لسبب بسيط هو أنني مثلكم ....... .
أين اتجه بكم أيها العميان الذين تقرأوون هذا؟
أتجه بكم – وهذه المرة الأولى التي أخبر فيها بما سيكون في تاريخي الكتابي إلى : التقييم الإستقطابي لسيكولوجيا الذات العمانية.
أعلم أنكم تلعنون الوقت الذي مكثتم تقرأون فيه هذا كله لحد "العمانية" وأعلم أنكم تلعنوني لعنا قبيحا وتشتموني في ضمائركم شتما شنيعا وتفكرون في الإنسحاب من إكمال القراءة ولكن إن كنتم بلغتم "بلغتم" هذه فلن تتوقفون.
 أحب إغاضة قرائي لا لشيء سوى لذات المتعة الشيطانية التي تعتري السفسطائيين عندما يناظرون الفلاسفة-  أنتم غاضبون أليس كذلك من هذه السفسطة الرخيصة ؟ لا بأس أنا ما أعودها مرة ثانية إلا على الحمقى.
المشروع:  " وألقت عصاها واستقر بها النوى" الذي أدعو إليه  هو أن نخرج بأقصى قدر من الفائدة من تجربتنا الأخيرة، بعد تقييم هذه التجربة وقبلها تقييم ذواتنا ونفوسنا على إنفراد، وفي النهاية بوصف عام لتوجه العمانيين من بين كل ما يخطر على البال في الفترة الحالية: "مهزومين" " منصورين"   "أنبياء" "زنادقة" "حلويييين"  "ملائكة" " آلهة" " أغبياء" "م......"  الخ . الحرية مفتوحة لما قبل السماء فقط.         
ولماذا وكيف هذا أيها الأحمق ؟
لكي نقيّم أنفسنا من خلال أنفسنا وبالتالي نرى الوضع بعيدا عن التشابكات والتداخلات والإختلافات والتناقضات و........  
لماذا، مرة أخرى؟
لأن علينا الإعتراف جميعا سادة أحرار أرادوا التغيير وعبيدا للسلطان وقفوا ضد التغيير علينا الإعتراف جميعا أن حراكنا السلمي والإصلاحي قد وئد.
وهذا المشروع يمكن أن يكون فرديا يعني الشخص يقيم نفسه ومن حوله  كل يوم وكل حين وكل مرة حسب مزاجه ووضعه وفلوسه وتقدير مديره وخلق زوجته وخلاعة زميلته في العمل وسفولية ابنه المراهق و مهنية طبيبه النفسي- إذا كان هناك معيار لا ينطبق عليك فليس بالضرورة أن تكون مدنيا مسقطيا- ....الخ يقيّم الوضع على أساس اعتقاده الشخصي ويخرج بنتيجة يومية أو اسبوعية أو شهرية ثم يخرج بالوصف السائد أو الأوصاف السائدة على العمانيين والتي تسببت أو أودت بهم إلى هذا الحال وبمسيرهم من الإصلاح إلى التخبط.
والحال قد ينسحب أيضا على المجموعات وهنا النتيجة تكون أكثر قربا إلى الحقيقة وكلما كبر العدد وصلنا إلى النتيجة النهائية المخيفة!!! – ولا أعتقد شخصيا أنها مخيفة جدا لأنني بدأت بالتأقلم مع كوني من ضمن من ينطبق عليهم ذلك الوصف-.

وفي النهاية خبرنا ماذا تريد أن تقول؟
ما أريد أن أقول أننا لو جئنا إلى هذا التقييم لوجدنا أننا نحن العمانيون يجب أن نبدأ بأنفسنا ذواتنا عقولنا أفكارنا ننقدها ونعيد بناءها وصدقوني نفوسنا وذواتنا مهدمة ووعينا السياسي والثقافي والقومي والأممي الإنساني مهشم وفي حالة يبكي عليها العدو – شخصيا كل ما وضعت حصاة في بناء ذاتي سقطت حصاتان ومن نفس الإتجاه !!
فلنلتفت إلى ذواتنا نبنيها ونهذبها ونثقفها بوعي سياسي ناضج مستلهمين تجارب إخوتنا العرب الذين نجحوا في ثوراتهم أو أولئك الذين هم في الطريق إلى النجاح.
وبعدها إذا ما استطعنا فعل  ذلك – وأتمنى أن لا يحدث  فشل جماعي شامل - سنتبين موقعنا جيدا أيها الإخوان وسترون كم إننا لأنفسنا ظالمون في ظل هذا القمع الثقافي  والسياسي والسيكولوجي الذي تمارسه علينا السلطة ونمارسه نحن على أنفسنا وعلى من حولنا.
وبعدها نتجه إلى عائلاتنا وأسرنا ومنها إلى قبائلنا وأصدقائنا الفيسبوكيين والتويتريين المغردين ومجتمعاتنا الصغيرة ومدننا وهكذا تتسع دائرة التقويم ما بعد التقييم حتى تطال أبو بريص ذاته.
وبقول صريح وبلسان صادق، وبعد أن دارت الرؤوس تبحث عن الحل الميؤوس للتعامل مع هذا الكاتب المهووس لكل ما يعادي قابوس، بشكل صريح وربما ثاني مرة أصارحكم بشيء، علينا أن نعي جيدا أننا فشلنا ونجح الآخرون، أننا خدعنا ولم يخدع الآخرون، أننا نكصنا على أعقابنا، بينما رقص أشقاؤنا على صدور الطغاة الملاعين معلنين انتصارهم الساحق وبداية مجد جديد وعهد شعبي قويم.
كنا أيها الناس نخدع أنفسنا منذ البداية بالسلطان ابن السلطان ابن السلاطين رب عمان العظيم.
خدعنا أنفسنا، الأب يخدع ابنه كل صباح: " الله يخلي السلطان"، والأم تغرد مع جاراتها كل مساء " الله يخلي ابن سعيد "، والإبن كل يوم ذي مدرسة: " ابشري قابوس جاء" والبنت كذلك : " فلتباركه السماء" . العالم : " قابوس أعلى شأن البلاد ونشر العدل والأمان"، والقاضي يشرك بالله في كل حكم : " بسم الله وبسم جلالة السلطان" والمعلم يلقي على الصبيان: " أيها الغلمان قابوس سلطان عمان تاج على رؤوسنا إلى آخر الزمان"، وفي وسط هذا الشذوذ الفكري والإنبطاح الثقافي غاب حضور الوطن المسمى عمان.
فهذه القدسية السلطانية والكفر بالحقيقة التي عاشها العمانيون ويعيشونها هو الذي هزمهم ويهزمهم كلما أرادوا للأمام أن يتقدموا فإذا بهم للوراء يتقهقروا، ثم الشك بالحقيقة والتخبط بين مرثيات المجد العماني الضائع أورد انتفاضة الشباب التهلكة، وآل بهم إلى الفرقة والتفرقة، فمنذ البداية كان الموقف مترددا خفي الملامح فبين قائل صريح لم يُصدّق: "أيها الشباب الثائرون والركب السائرون وبدوار الإصلاح محيطون إن السلطان هو من نصب الوزراء الساقطون ويرأس الوزراء اللاحقون هو رئيس الحكومة والمسؤول عن كل كبيرة وصغيرة فالذنب على الرئيس وليس المرؤوس، فليباردر بتعديل السيرة وتغيير المسيرة وإصلاح الدرب قبل استفحال الخطب، وبين قائل مدسوس وخطيب مغشوش: " لا أيها الناس إن السلطان يحب الشعب، والشعب يحب السلطان، السلطان يريد الخير والخير آت من قبل السلطان، السلطان لا يعلم بفساد الأتباع، والأتباع سيقالون بالمرسوم المشاع من قبل السلطان، السلطان مع الشعب ضد وزراءه والشعب مع السلطان ضد وزراءه" ، وهكذا خدع المترددون المقدسون للسلطان وأسكتوا ببعض الوظائف وفرقوا ببعض الأموال فانفض الجمع وآل الأمر إلى الفرقة  والهوان!
 ومن لا يزال مترددا وبهذا الكلام مشككا وللسلطان متوليا وبصلاحه مؤمنا، ولإصلاحه منتظرا، لمن صيّر كلامه قرآنا وأوامره إنجيلا ومراسيمه صحفا وزبورا، أقول إنك كافر بالشمس واسطة النهار، ومنكر لليل والناس نيام.
فلا أملك من فنون الخطاب ومن جوامع الكلام إلا أن أقول: أولم تكونوا تنتظروا الخير والإصلاح وأوامر سلطانكم بالسعد والرباح؛ فإذا به يسن قوانين القمع ويزج بالناس في السجون  ويصادر حريات النشر والصحافة، وقوانين تكرس الخنوع والطاعة، وتصادر الحرية وتحيي التبعية، أفبعد هذا الحديث تمارون وهذا الكلام تنكرون والسلطان توالون؟!
ما أراكم إلا في الريبة هائمون، وفي حديثكم تخرصون، فامكثوا على ما أنتم عليه بل واسرحوا مع البهائم والأنعام في البراري والقفار فما أنتم وهي إلا سواء بل فاقتكم بمراحل في الذكاء.
خلاصة الكلام:
أنصاف الثورات سترتد نكالا على الشعب، وستكون وبالا عليه، وسيسحق المثور عليه الثائرين، أما الثورات الكاملة فهي التي تضع مقاليد الأمور جميعها في أيد الثائرين، إنها تتبع علم الثورات وقوانينها الذي لا دخل للطغاة في كتابتها ورسمها، فقرروا أيها العمانيون هل ما زلتم تريدون نصف ثورة، أم إنكم ستراجعون نفوسكم وتكملوا النصف الآخر؟
وقد قالها  عبد الملك بن مروان يوما: أنصفونا يا معشر الرعية، تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر، ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم بسيرة رعية أبي بكرٍ وعمر!، فنسأل الله أن يعين كلاً على كل.
فلو وجد عبدالملك من يثور عليه ويقوّم اعوجاجه لما قال هذا، لكن لم يجد فصدق بما قال، إنهم الرعية المتسببون في خراب بيوتهم إذ سكتوا على ظلمه وظلم حجّاجه اللعين.
خارج النص:
ويروى أن هذا الأموي كان الذباب يحوم حول فيه مثل أسراب طائرات إسرائيل في يوم الغفران وهي تحوم حول خط بارليف لا تلوي على شيء بسبب بطاريات الصواريخ السوفيتية.

Sunday, October 9, 2011

البغال والحمير .... وأشياء أخرى من ضمنها آل مكتوم

عبارات دلالية:حيوان حمار جحش بغل برذون حصان فرس جمل بعير ناقة بقرة .... وقنفذ أيضا في جحرما بين الحروف.
ورد في الأثر: لقي ابن أبي عتيق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها على بغلة. فقال: إلى أين يا أماه ؟ فقالت له: أصلح بين حيين تقاتلا، فقال: عزمت عليك إلا ما رجعت، فما غسلنا أيدينا من يوم الجمل حتى نرجع إلى يوم البغلة.



الحديث عن الحمير والبغال ومنظومة الدواب العربية أو المرتبطة والمقترنة بالثقافة العربية حديث ذو شجون، ومنذ مدة طويلة وأنا أرغب بتشريف كتاباتي بالحديث عن الحمير وبني عمومتها. حتى لاحت الفرصة فجأة هكذا مثلما تكون ليلة نائما وتحس بهواء ساخن متقطع يندفع باتجاه صدغك فتستيقظ لتنظر فإذا هو حمار يشتم رأسك لعله يجده صالحا للأكل.
هكذا فجأة خطرت الفكرة في رأسي – وهذا أمر خارق للعادة – فبينما كنت أستمع بالإكراه لإحدى تقليعات محمد بن راشد – مجازا شعر-  يلقيه علي زميلي الأقل حمقا مني قليلا، كنت في نفس الآن أطالع خبرعفى عليه الزمن في أرشيف إحدى الصحف – لا تصدر بالسلطنة طبعا- عن افتتاح محمد بن راشد لمضمار "ميدان" لسباق البغال وتسليمه صاحب البغل الفائز أثمن جائزة عرفتها الدواب منذ فجر تأريخها ومنذ انشقاق الحافريات عن الثدييات.
ولا أخفيكم أنه كان لوقعة الجحش أو الجمل الثانية في القاهرة دور بارز في إذكاء هذا الشعور العارم!
ولأني كما أخبرتكم كنت راغبا في الكتابة عن هذه الحيوانات المملؤة بها الثقافة والتراث العربيين، ولم أكن أعرف جيدا كيف يمكنني أن أدخل هذه الحيوانات الكريمة الأصيلة في موضوع عن حيوانات لا أصل ولا كرامة لها- أو بالأحرى لبعضها الآن-.
إذا لا يمكن أن أتحدث عنها هي فقط وخصوصاً كوني غير مختص بعلم الحيوان!
وكون أن الحضارة الإسلامية حافلة بذكر هذه الحيوانات في كل جوانبها الثقافية – في القرآن: سورة البقرة، سورة العاديات، الخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة،..الخ من المواضع والتسميات والرموز، والشعراء العرب كانوا يخصصون جزءا من قصائدهم إن لم يكن جلّها في وصف خيولهم وجمالهم، وكثيرا منهم من استبدل النسيب وبكاء الديار والأطلال التي عفت بالتفصيل في وصف فرسه أو ناقته بل وحتى الحمر والبقر الوحشية، لذا  فقد أعطاني هذا دافعا ثالثا للغوص في الموضوع.
امرؤ القيس الكندي:
وَأَركَبُ في الرَوعِ خَيفانَةً**** كَسى وَجهَها سَعَفٌ مُنتَشِر
لَها حافِرٌ مِثلُ قَعبِ الوَليدِ****رُكِّبَ فيهِ وَظيفٌ عَجِز
لَها ثُنَنٌ كَخَوافي العُقا****بِ سودٌ يَفينَ إِذا تَزبَئِر
وَساقانِ كَعباهُما أَصمَعانِ****لَحمُ حِماتَيهِما مُنبَتِر
لها عَجُز كصَفاة المسي****ل أبرز عنها حجاف مُضر
لها ذنب مثل ذيل العروس****تسد به فرجها من دُبُر
لها متنتان خظاتا كما****أكَب على ساعدِيه النمرِ
وسالفة كسُحوق الليا****ن أضرمَ فيها الغويُّ السُّعُر
لها غُدَر كقرون النسا****ء رُكّبن في يوم ريح وصرِ
وعين كعين بغيّ النسا****ء نجلاء اسفلُها منستر
لها جبهة كسراة المِجنّ****حذفه الصانع المقتدر
لها منخر كوِجار الضبا****ع منه تُريح إذا تنبهر
وعين لها حَدْرة بَدرة **** شقت مآقيهما من أخر
إذا أقبلت قلت دُباءة****من الخُضر مغموسة في الغُدُر
وان أدبرت قلت أُثفيَّة****ململمة ليس فيها أُثُر
وان أعرضت قلتُ سرعوفة****لها ذنب خلفها مُسبَطر
وللسوط فيها مجال كما****تنزلَ ذو بَرَدٍ منهمر
لها وَثبات كوثب الظِباءِ****فواد خِطاءٌ ووادٍ مُطِر
وتعدو كعدو نجاة الظِبا****ء أفزعها الحاذف المقتدر
وهذه القصيدة هي أعظم ما قاله شاعر عربي في وصف فرس.
 والجمال هي الأخرى قيل فيها الكثير، ولم يقصر الشعراء نظمهم عن الحمير والبغال والبراذين وحتى البقر والأنعام وخوف الإعراض عن الموضوع لأطلت وأسهبت وألصقت لكم الكثير هنا ولكن فلنوجز أفضل.
 وخلد اسم الجمل في واحدة من أوائل نكسات المسلمين الكبرى وهي معركة الجمل ويوم ذاك كان الجمل – جمل عائشة- محط ساحة الحرب ومركز جحيمها قتل تحته 20 ألف إنسان، حتى أضحى هودجها على ظهره كالقنفذ من كثرة السهام عليه، وكادت ضبة تفنى قاطبة دونه- الجمل- ولكن تدورك الأمر وعقر الجمل يومها وأنفضت القبائل عنه.
والعرب في كلامها اشتقت كثير من الكلمات والأفعال من "علم البعير" وليس أدل على ذلك من اشتقاق كلمة " العقل" وهو اسم لأعظم شيء قد يحضى به كائن بشري – غير عماني - من قول العرب –قديما- " عقلت الناقة" إذ منعتها من السير.
والجاحظ وهو واحد من أعظم المفكرين والعلماء المسلمين على الإطلاق ألف كتابا اسماه الحيوان أفاض فيه في الحديث عن البغال وسائر البهائم والحيوان.
بل إن بحرا شعريا لقب بحمار الشعراء كناية عن سهولة البناء فيه كسهولة ركوب الحمار ويسر ذلك.
بعد علمي بكل هذا كان لا بد إذا ما أردت الخوض في موضوع يخص الجحش وأقاربه أن أرتقي بفكري وأدبي ولساني إلى مستوى يرقى إلى وصف هذه الحيوانات ويقدر مكانتها.
ولأن رياحنا إذا هبت فعلينا باغتنامها لذا فقد أزفت المناسبة من أخبار القطر الخليجي المرتبك.
والمناسبة طبعا مرتبطة ببلاهة محمد بن راشد المذكور أعلاه وسخافة أتباعه ومقلديه من أمراء الإمارات – وبعد أن انتقل المرض إلى بقية بلدان الخليج – وحكام الخليج وشيوخه السياسيين.
صدقوني أنني الغبي الأحمق العديم الوزن والفائدة أشعر بالخجل والإحراج أمام العالم وهم يشاهدون ويسمعون أو يقرأون هذه الترهات البغلانية من سباقات تحمل إلى سباقات قفز إلى سباقات جَمَال إلى سباقات أكبر ضرع ناقة إلى...... وخصوصا ما ظهر مؤخرا من سباقات التحدي وانتشارها ومباهاة كل أمير بترول للآخر بثمن جائزته لأصحاب البغال الفائزة.
ولكن يبدو أن هناك ارتباط ما بين طريقة التفكير العربية وبين هذه الحيوانات الودودة، لا أدري كنهه حقيقة!
قيل لمجنون بصري: عد لنا مجانين البصرة. فقال: كلفتموني شططاً، أنا على عد عقلائهم أقدر. ومن أين عساه يجد هذا المجنون العاقل عقلاء ليعدهم لو عاش في هذا الزمان وسئل أن يعد مجانين البترول؟!!
قبل فترة قامت اليونيسيف مناصفة مع منظمات حقوق الإنسان والطفل بشكل خاص بإجبار حكام البترول ومنعهم من تنظيم سباقات البعران التي يمتطيها الأطفال الصغار، والأزمة تداعت كثيرا بعد حملة مكثفة ضد أنشط أصحاب البغال والبعران في الخليج وهو محمد بن راشد حيث اتهمه العشرات باختطاف الأطفال الرضع من أمهاتهم ليصبحوا فرسان وجمّالين في اليوم التالي ورفعوا ضده قضية في إحدى المحاكم الأمريكية!
المهم تم منع ركوب الأطفال للجمال واستبدلوا بأجهزة آلية توضع على ظهور الجمال في الخليج بأكمله.
كان الأمر قد بدأ بالتدرج لأن الموضوع تحول من منافسة ورياضة إلى سباق استحواذ على المال وشيئ آخر هكذا أراده حكام البترول وهذا الشيء الأخير لسان حال المعنيين به يقول:" قل لي أين بعيرك أقل لك من تكون".
وظهرت أيضا في ارتخاء – وفي رواية انحطاط- آخر مسابقات جمال الخيول ومزاين الجمال وغيرها، وهذا يعني وبكل تأكيد أن هؤلاء الأمراء والسلاطين والملوك يريدون الوصول إلى المجد والشهرة عبر هذه الحيوانات الوديعة مستغلين قدراتها وجمالها ومهاراتها المتنوعة. وهم معذورون من جهة ما؛ فالذي يتمعن في مستواهم العقلي والأدبي والأخلاقي يتفهم هذا الإتجاه فيعرف أنهم يتمترسون بهذا المجد لأنهم عدموا كل الوسائل الإعتيادية والطبيعية للشهرة والمجد رغم كونهم حكام وأصحاب ثروات فباتوا يرومون المجد بالتسلق على ظهور بغالهم.
عشرات الملايين من الدولارات سنويا يصرفها حكام الخليج على هذه المسابقات وفعالياتها المتعلقة والمرتبطة بها.
وهو مبلغ غير دقيق تماما بسبب كثرة هذه الفعاليات ومناشطها وما يتعلق بها حتى صعب إحصائها. ويدخل ضمن هذه المبالغ كل تلك الأموال التي تصرف على إنشاء ميادين السباقات وحلبات المنافسة، في نفس الوقت الذي يتمنى فيه آلاف العرب في الخليج أن تنعم قراهم بشوارع معبدة فحق لهم أن يحسدوا الخيول والجمال على حلبات وميادين سباقها الراقية الفخمة.
لم تكن تطمح هذه الحيوانات الرائعة أن تحصل على رعاية واهتمام مثل هذا عبر تأريخها كله حتى فاقت هذه الرعاية والإهتمام ما توليه الحكومات الخليجية شعوبها " البشر" . وهذا طبعا حسدا مني أنا "البشري"- وبني آدم حساد لبعضهم فكيف لغيرهم-؟  للمكانة التي رقيت إليها هذه الحيوانات.
ومن الدلائل الأخرى على علو منزلة ومكانة هذه الحيوانات حديثا عند العرب والبتروليين منهم خصوصا تلك الحادثة الغريبة عندما بدأ يشتم حصان أحد الأمراء فرس أمير من إمارة أخرى ويطاردها غصبا عن فارسه الذي لم يستطع كبح جماحه كليا حتى أراد أن يعلوها وعلى ظهرها فارسها الأمير الآخر، مما اعتبره هذا الأخير إهانة لا تغتفر وإعلان حرب من نوع خاص، فنشأت على إثرها أزمة سياسية على كافة الأصعدة ولولا كون صاحب الحصان أمير صغير من إمارة صغيرة ولولا أنه سارع وبقية عائلته للإعتذار على محاولة الحصان ...... لحدث مالا يحمد عقباه، وربما كانت قامت حرب برذونية عابرة للإمارات.
وبالأمس القريب وعندما عجزت مدرعات مبارك الرئيس المصري المخلوع عن التصدي للثوار ودحرهم لم يجد بتفكيره الفذ أفضل من اللجؤ إلى الجمال.
 فكانت وقعة الجحش التأريخية والتي سيخلدها التأريخ على أنها من مظاهر تطور العرب في الصناعات الحربية الثقيلة، يومها انطلقت جموع البلطجية على ظهور الجمال من الجيزة والهرم إلى قلب القاهرة للتصادم مع ثوار التحرير.
 فمن هذا الذي يزعم بعد كل هذا أن هذه الحيوانات غير مكرمة مشرفة مثلما كان أجدادها في ماض العرب القديم؟ ومن ذا الذي ينكر – غيري أنا الحسود- أن هذا الإهتمام والرعاية بالفروسية والبعورية والحمورية والبرذونية والبغولية لا ينشيء أجيالا وفتيانا  فرسانا ومحاربين أشداء كما قال العبسي عنترة:
خُلِقتُ مِنَ الحَديدِ أَشَدَّ قَلباً       وَقَد بَلِيَ الحَديدُ وَما بَليتُ
وَإِنّي قَد شَرِبتُ دَمَ الأَعادي       بِأَقحافِ الرُؤوسِ وَما رَويتُ
وَفي الحَربِ العَوانِ وُلِدتُ طِفلاً       وَمِن لَبَنِ المَعامِعِ قَد سُقيتُ

نسخة إلى حضرة السيد رئيس حزب الجحش في العراق العظيم....سابقا.

شذرات وعبرات في أربعينية المناضل العربي عبدالرحمن النعيمي


ترجل فارس عربي ثوري آخر من على ظهر الدنيا ورحل مخلفا إرثا كبيرا وذكرا كثيرا وحبا عظيما.
رحل سعيد سيف هو الآخر ملتحقا بعظماء كثر وضعوا أفكارا ودعموها بالعمل فصارت بنيانا ثقافيا رائعا على حيطانه خلاصة التجارب وأبوابه الإيمان نعم الإيمان بالمباديء والفكر وكل ما هو سام وعظيم من قبيل الحرية  والإنعتاق من التبعية.
عظماء اليسار العربي أو الجناح اليساري للقوميين العرب الذين وضعوا الأسس ثم رحلوا كثر لم يكن آخرهم عبدالرحمن النعيمي ولا أولهم الحكيم جورج حبش.
ما ميز عبدالرحمن أكثر من غيره من بين رفاقه  مرونته داخل نطاق الإنسانية والقومية وهو ما اشتهر عنه في الثلث الأخير من عمره عندما قاد البحرينيين إلى المصالحة والتآلف وردم الهوات وسحق النعرات والقبول  بالتنازلات الفردية والحزبية من أجل المصلحة الوطنية الكبرى يحسب هذا للنعيمي وكأنه لا يحسب لغيره إلا هو، وما ذلك إلا عن حقيقة إيمانه بوطنه وقوة إخلاصه للبحرين وطنا حرا متجانسا.
رحل النعيمي في أول أيام عيد الفطر فخيم على البحرين حزنا فوق حزن فالبحارنة أصلا محزونون لحال بلادهم التي خطفها الطغاة وانتقموا من أبناءها فقتل من قتل وعذب من عذب وسجن من سجن  فما كانوا ليفرحوا يومها  أصلا، ولقد زاد هذا الحزن موت رمزهم  وأحد رموزنا والعرب جميعا المناضل النعيمي فكأنهما حزنان استجمعهما البحرينيون لترسيخ الفكرة التي نشأت مؤخرا بينهم وهي إستنزاف الطغاة حتى النصر عليهم والإستنزاف هنا ولو كان بطيئا لكنه سينجح في النهاية.

عبدالرحمن لم تفقده البحرين فحسب بل فقدته عمان أيضا فهو أحد رموز الثورة العمانية ضد الإستعمار والنظام السلطاني البغيض مثله مثل كل عماني حر ناضل في سبيل عمان فقده العمانيون وفقده العرب جميعا . من من اللبنانين مثلا  سينسى تلك النخوة العربية والهمة الثورية التي وقفها عبدالرحمن عندما غزا الصهاينة لبنان 1982 فوجه عبدالرحمن كافة رفاقه وزملاءه للقتال بين اللبنانيين والفلسطينيين وغيرهم من العرب في لبنان ضد اليهود الصهاينة بدعوته الشهيرة: "أيها الرفيق التحق مع المقاتلين"؟
من من العرب سينسى ذلك الموقف العقلاني الحر المشرف لعبدالرحمن عندما رفض أي تدخل أجنبي في الجزيرة العربية في حرب الخليج بل وأدان كل من يسعى لجلب الأمريكان والغرب إلى المنطقة بما فيهم سوريا التي كان فيها منفيا  فكلفه الأمر السجن والتعذيب وتمت مساومته على التراجع عن دعوته وتوجهه قلم يعر حافظ الأسد وزمرته البعثية أذنا وصبر على أذاهم له؟


عبدالرحمن رجل مباديء ومواقف من الطراز العربي العتيق الأصيل الذي قل مثيله الآن، عبدالرحمن كان مؤمنا بقضية ما بقوة والمؤمنون بقوة دائما  وأبدا هم المنتصرون،  آمن عبدالرحمن بعروبة البحرين ووجوب تحريرها من المستعمر البريطاني والخضوع له وتحريرها من ربقة ظلم الملوك والأمراء، هكذا بدأ مسيرته النضالية والتي واجهت في طريقها الكثير من الطرف المعادي فنزح إلى ساحل عمان وظفار ولبنان وسوريا وعاد إلى البحرين وما فتر إيمانه بعروبة البحرين وعدالة قضية شعبه الأزلية في الحية والعدالة.
.
يلخص رفيق دربه عبدالنبي العكري جزء مهم من مسيرة حياة رفيقه فيقول:

"لم يكن عبدالرحمن النعيمي ذلك الصنف من قيادات المعارضة الذي يقبل أن يكون في الخلفية الآمنة، ويعطي التوجيهات من بعيد.
كان عبدالرحمن ذلك القيادي المناضل الذي يقود العمل وسط المخاطر. وهكذا فقد كان عبدالرحمن يقود العمل في البحرين بعد تخرجه في العام ,1966 لإعادة بناء تنظيم حركة القوميين العرب، وبعد اعتقاله في 1968 انتقل
إلى أبوظبي، ليقود من هناك المكتب السياسي للحركة الثورية لتحرير عُمان والخليج العربي، وهو الجناح اليساري لتنظيم حركة القوميين في الخليج العربي. وعمل في أبوظبي في إدارة الكهرباء والماء وهي ساحة خطرة في
ضوء ملفه الأمني الموجود لدى الاستخبارات البريطانية التي تقود الاستخبارات في مختلف دول الخليج في ظل تعاون استخبارات المنطقة، بحيث كان مرصوداً.
وإذا أضفنا إلى ذلك الانهيارات التي تحدث وتسلل عناصر استخبارات إلى صفوف التنظيم الجديد الذي لا يمتلك خبرات جيدة، واستخدام الإمارات كمعبر للمناضلين وتهريب الأسلحة إلى عُمان الداخل للإعداد لتفجير الكفاح
المسلح في عُمان الداخل والذي جرى في 12 يونيو/ حزيران 1970 والذي فشل فشلاً ذريعاً، لأدركنا حجم الخطر الذي يهدده. وهذا بالفعل ما حدث فقد جرى اعتقاله في أبوظبي في 10 أغسطس/ آب ,1969 وضبط في
شقته أسلحة وذخائر وحوكم وصدر الحكم عليه بتهمة الإعداد لتفجير المنصة في الاحتفال بتنصيب الشيخ زايد في 8 أغسطس/ آب ,1969 وصدر الحكم عليه بالسجن 10 سنوات، على رغم أن الاستخبارات تعرف جيداً أن
الإمارات لم تكن مستهدفة في عمل الحركة الثورية بل كانت معبراً لعُمان. وقد زار أبوه المرحوم محمد النعيمي الشيخ زايد في مجلسه، وانتخاه لإطلاق سراح ابنه، واستجاب الشيخ زايد بأريحيته، وأطلق سراحه بعد 8 أشهر في
السجن في أبريل/ نيسان 1970 ومرة أخرى لم يهرب من الساحة بل طلب الرجوع إلى البحرين، حيث ينتظره خطر جسيم، لكن سلطات الأمن بقيادة هندرسون رفض رجوعه، وهكذا انتقل قسرياً إلى بيروت، الساحة الوحيدة
حينها المفتوحة أمام المناضلين العرب."    
رحمك الله يا أبو أمل ، لن ننساك يا أبو أمل ، لقد علمتنا الكثير علمتنا كيف يقف العربي بجانب العربي علمتنا كيف يناضل المؤمن في سبيل قضيته إلى آخر رمق علمتنا أن الحياة عقيدة وكفاح  وأنا أكتب هذه السطور تحضرني
بعض اللمحات من مذكراتك التي كتبت ونضالك في عمان  فيأسرني شوق أبدي لك ولأفكارك وللبحرين قاطبة وأهلها الطيبيين
فتحية لك ولروحك الكريمة وتحية لزوجك الكريمة أم أمل التي شاركتك النضال وصبرت وعانت في ذلك لكنها تحملت وتقبلت كل ذلك فهي تعلم ما معنى النضال في سبيل حرية الأوطان .
 

Saturday, October 1, 2011

هدى سالم: إليك تشير البوصلة


 
مرّت علينا قبل أيام ذكرى عطرة جميلة، ولو أنها حزينة فهي تذكرنا بأن أحد رموزنا قد رحل عنا وتركنا مفجوعين بنبأ وفاته ورحيله.
في الحادي والعشرين من أيلول 2006م  في أحد المستشفيات بلندن فاضت روح الثارة المناضلة فريدة عصرها بنت الأغنياء التي عاشت فقيرة تكدح وتناضل في معمعة الحرب وسط الفقراء الثائرين. إنها البحرينية ليلى عبدالله فخرو.  وفي زحمة الأحداث العربية والبحرينية – العمانية، وفي ظل القمع الذي لاقته ثورتنا البحرينية المجيدة من مرتزقة آل خليفة وأزلام آل سعود، في ظل تعذيب الأحرار البحرينيين من أخوة وأخوات والزج بهم في السجون  وتعذيبهم وانتزاع مايشتهيه النظام منهم من أقوال ومسرحيات. في ظل صمت العالم عمّا يحدث هناك وتواطيء عربي واضح لصالح حكام النفط والزفت من آل خليفة وآل سعود الذين يعتبرون البحرين باحة منزلهم الخلفية، وفي ظل صمت إعلامي مدقع من قبل الإعلام العربي الذي دعم كافة الثورات العربية عدا الخليجية. في ظل كل هذا وزحمة الفكر تحل علينا ذكرى رحيل أستاذتنا المناضلة.  ذكرى رحيل "الثائرة المربية".


رحلت ليلى فخرو جسدا وروحا ولكنها لم ترحل عن البحرينيين والعمانيين وكل العرب مبادئا وأفكارا، ما نحن وكل ما نقوم به اليوم من ثورة واحتجاج شعبي أكان في البحرين أم في عمان إلا بسبب أفكارنا وما آمنا به مما تعلمناه من هذه المناضلة العظيمة ومن رفاقها والذين زرعوا فينا حب الوطن والعروبة، الذين علمونا معنى الحرية وكيفية تحقيقها سلميا وعسكريا، نعم هذا الذي نحن فيه الآن ما هو إلا نتاج أفكار هؤلاء الثوار العظماء من أمثالك يا ليلى.
رحلت يا ليلى وبقت الذكرى وإن تلاشت في قلوب أحدنا فإنها باقية في قلوب عشرات الآلاف من محبيك وتلامذتك والسائرين على نهجك، رحلت يا ليلى وبقت الأفكار والمباديء التي زرعتها فينا ترشدنا في سيرنا نحو الحرية والإصلاح نحو الوعي بالهوية والوطن والإنسانية.
كم نفتقد المؤمنين أمثالك، نعم المؤمنين بأفكارهم إيمانا يقودهم بقوته لتحقيقها بشتى الوسائل الشرعية ومستعدين للموت في سبيل تحقيقها نعم نفتقدهم ونفتقدك في طليعتهم يا ليلى.
لقد احترمك الجميع يا ليلى إسلاميين وقوميين يساريين وليبراليين، لقد احترمك وأجلّك كل من آمن بالوطن من هؤلاء رغم اختلاف مشاربهم، وهكذا هم العظماء ينتزعون الإعجاب والإحترام لأنهم أهل مباديء سامية كما كنت يا ليلى.
وكل هذا الذي قلت أنا وما قاله الشباب غيري لاشيء مقابل شهادات رفاقك من العظماء الآخرون في حقك، ها هو الرمز الوطني والخليجي الكبير عبدالرحمن النعيمي والذي رحل مؤخراَ هو الآخر يقول: " هدى سالم .. تلك المتمردة .. من أجل الوطن والعدالة" ويقول : " وجدت ليلى فخرو التي استبدلت اسمها بهدى سالم طريقها إلى عدن من بيروت، حيث قررت مغادرة عالمها المخملي إلى عالم الثورة والتغيير، فقد أسرتها مبادئ العدالة والمساواة، وقررت النضال ضد الظلم والقهر الطبقي والوجود الاستعماري، وقررت ان تحمل السلاح، لتحارب مع رفاق لها هناك في أقصى الجزيرة العربية، وكانت ظفار مركز الصراع من أجل المستقبل".
ويصفها قائلا: " كانت نموذجاً في الانضباط في المسلكيات الثورية، في العلاقات الرفاقية، في الموقف السياسي، في التواضع، في احترام الآخرين وحب الناس البسطاء، في البساطة والزهد في الحياة اليومية سواء في الملبس أو المأكل.. لم تكن راحتها تعني شيئاً بالنسبة لها.. كانت في مستشفى الجمهورية في الصباح.. وفي المساء مع المناضلين والمناضلات في معسكر (جمال) في خورمكسر"
ويضيف متحدثا عن المربية الثورية:" كان لهدى سالم الفضل في كونها أول مديرة لأول مدرسة ابتدائية تقيمها الثورة العمانية.. أول امرأة من البحرين تلتصق بتلك الجماهير التي قررت حمل السلاح لمواجهة العدو الداخلي والاجنبي.. كان عليها ان تعيش في منطقة متخلفة للغاية، وأن تضع البرامج الدراسية.. لكافة الفصول وفي كل المواد.. وكان العبء كبيراً للغاية.. لكنها قررت مواجهة التحدي للبرهنة بان الحركة الثورية في منطقة الخليج متلاحمة مع بعضها البعض، وانها لا تتردد في ارسال كوادرها إلى حيث الحاجة اليهم.. وقررت مواجهة التحدي للبرهنة بأن المرأة الملتزمة بقضايا الوطن والشعب قادرة على العمل في أقسى الظروف وفي مناطق لا يمكن لأي ثوري من مناطق الخليج ان يتصور قساوتها، سواء من حيث انعدام الكادر والبرامج الدراسية او من حيث الواقع الاجتماعي او من حيث الواقع الصحي والمعيشي.. ولكنها الارادة الانسانية القادرة على مواجهة كل الظروف الصعبة والتغلب عليها اذا كان الامر متعلقاً بذلك الفرد.  جيل كامل من ظفار الثورة تعرف على هدى سالم.. كانت أكثر من مديرة.. كانت رفيقة ومناضلة حقيقية.. كانت أماً لأولئك الاطفال.. كانت مربية حقيقية".
وهذه شهادة فيها من المهندس المناضل عبدالنبي العكري: " عرفتها في بيروت اثناء مرحلة الدراسة الجامعية والعمل الطلابي والوطني، كتومة، فاعلة ومتواضعة وصريحة في نقدها وحنونة تجاه رفاقها.
عرفتها في ظروف العمل السري في البحرين كتومه اكثر ونشطة ومثابره، كانت تحمل في روحها روح التمرد ولكن التمرد البناء، ونشطت في مجال العمل الحزبي والنسائي.
وعندما طلب منها ان تذهب لمهمة اخطر، ألا وهي الذهاب الى ظفار، فلم تترد وتركت وراءها حياة الدعة الى حياة المخاطر. وهكذا انتقلت الى ظفار حيث كانت الحرب على أشدها والمخاطر محدقة في كل زاوية وفي كل دقيقة".
ويقول: "يا لها من امرأة رائعة وقوية وشجاعة تحملت مسؤولية بثقل الجبال ولم تتذمر ولم تشكُ".
ويضيف: " لذا ليس غريبا ان يكرمها طلبتها السابقين في سلطنة عمان بعد عودتها الى البحرين من المنفى، ويواظب بعضهم على زيارتها والسؤال عنها تكرارا".
تلك ليلى في عيون رفيقيها وهي كذلك أيضا عظيمة سامية في عيوننا نحن تلامذتها ومحبيها بحرينيين وعمانيين وعرب.
وهذا كان آخر ما كتبت مخاطبة الجميع قبل وفاتها:" أبو أمل.. أبومنصور.. راشد.. فهد.. جهاد.. المحمدان.. سلطان.. حميدان.. صالحة.. سبيكة.. فوزية
عينة تحضرني لقائمة لا استطيع أن أصل لنهايتها.. فالعذر من الآخرين.. كم هي جميلة ذاكرتنا التي لا يعرف نكهتها إلا من عاشها.. يغسل مرها الحلو منها.. وتنسينا انتصاراتنا هزائمها.. لكل منا طعمه الخاص المتميز لدينا دون سوانا.. هدى بنت الأغنياء.. ماما هدى.. جيل آخر.. مقاطع من عناوين مقالاتكم.. لا تخافوا لقد استمتعت بقراءتها جميعاً، قرأتها في أجواء تصدح فيها أنغام سيمفونية لم أحلم بها.. وهي الأخرى لكل منها نكهته الخاصة التي تمتعنا دون سوانا.. كم كنت أرغب ان أكون قلماً من بين أقلامها.. لكن عذراً.. لقد خذلتني رئتاي حلفاء الطريق..
".
وتختم ناصحة وموجهة كما تعودت دوما: "  رددوا معي في صمت أسمعه.. الوطن حب متناه.. وحب الوطن دين فرض لا يقبل المساومة أو التأجيل.. وهذا الدين طريقه طويلة ومتواصلة تتوارثها الأجيال.. وتلك الأجيال القادمة لا محال لا تقبل اليأس.. واليأس فيروس قاتل لا ينبغي أن يتسلل إلى قلوبنا.. وقلوبنا واسعة مفتوحة لحب متدفق للوطن.. وأعطوا حق الاعتذار لكل من أخطأ بحقكم واقبلوا اعتذاره.. لا تغفروا لمن أخطأ في حق الوطن.. فليس من حقكم أن تغفروا له.. أشكركم وكم كنت أتوق إلى إنشاد هذه الورقة الأخيرة معكم لكن.. ليس باليد حيلة.. فقد خذلتني رئتاي.. لكن حب الوطن أقوى".

ليلى فخرو أو هدى سالم –باسمك الحركي- تحية عظيمة لك ولرفاقك الأحياء والأموات من جبال ظفار الشماء تحية بعبق اللبان وشذى العلعلان من حجر عمان، وتحية للبحرين وأهلها الذين وقفوا وناضلوا مع أحرار عمان ضد الإستعمار والإمبريالية الغربية، وتحية لمن استشهد منهم في جبال ظفار أو في إزكي أو ساحل عمان، تحية لكم أيها البحرينيون، يا من برهنتم لنا وللعالم أجمع في كل المناسبات والأحداث أنكم منبع الريادة في الفكر والثقافة والوعي في الخليج العربي،  ونقول لكم نحن معكم في نضالكم وثورتكم ضد طغيان الملوك من آل خليفة وآل سعود وجبروتهم بمرتزقتهم ودباباتهم.

ليلى فخرو في عتبات الزمن:
ـ ولدت في المحرق ودرست التحضيري في مدرسة خديجة الكبرى، وانتقلت مع العائلة العام 1954 إلى القضيبية في العاصمة المنامة لتواصل دراستها حتى الرابع ثانوي (آنذاك).
ـ انتقلت إلى مصر وحصلت على التوجيهي.
ـ منتصف الستينات درست في كلية بيروت للبنات والتحقت بحركة القوميين العرب.
ـ 1969 قطعت دراستها الجامعية وانتقلت إلى ظفار، الاقليم الجنوبي لعمان وأصبحت مسؤولة مدرسة 9 يونيو (مدارس الثورة).
ـ 1972 عملت في مكتب الجبهة في مجال العمل النسائي والعلاقات الخارجية بعدن.
ـ انتقلت في منتصف السبعينيات إلى بغداد مواصلة العمل الوطني.
ـ 1979 انتقلت إلى بيروت مرة أخرى حتى الغزو الصهيوني للبنان عام ,1982 وغادرت بيروت بعد اجبار قوات منظمة التحرير الفلسطينية على مغادرة الأراضي اللبنانية.
ـ 1983 انتقلت مع ابنتيها التوأم منيرة وعائشة إلى نيقوسيا عاصمة قبرص.
ـ 1995 عادت إلى البحرين واستقرت.
ـ 2004 أصبحت رئيسة جمعية سيدات الأعمال.
ـ 21 سبتمبر/ أيلول 2006 اسلمت روحها إلى الباري في أحد مستشفيات لندن بعد صراع مرير مع المرض دام سنوات طويلة.




التفاصيل المكانية والزمانية من صحيفة الوقت البحرينية.